"الحنين إلى النبي".... أقدم مساجد الصين!

روعة العمارة وروحانية المكان هما أول ما يشعر به الزائر لمسجد هوايشنغ العريق بالصين، والذي يبقى واحدا من أهم الشواهد على أنّ الإسلام عرف طريقه إلى هذه البلاد منذ وقت مبكر.
المسجد الذي يقع في بمدينة قوانغتشو حاضرة مقاطعة قوانغدونغ جنوب الصين، تؤمه يوميا أعداد كبيرة من المسلمين لصلاة الفروض الخمسة، ويبلغ عدد الذين يؤدون صلاة الجمعة به أسبوعيا من المسلمين الصينيين والأجانب إلى ألفي مصلي. ومعنى اسم المسجد بالصينية "مسجد الحنين إلى النبي محمد".
والمسجد كغيره من مساجد الصين لا يفتح الباب لاستقبال المصلين والمستمعين إلى المواعظ الحسنة، بل يُشرف أيضا على عقود الزواج ومراسم الجنائز والإصلاح بين المتخاصمين ومساعدة المحتاجين وتنظيم الألعاب الرياضية وسط المسلمين .. وقد رأى بعض المؤرخين أن تعدد مهام المساجد في الصين يعود إلى زمن قديم، بدليل أن مسجد هوايشينغ كان مركزا لنشاطات المسلمين الدينية ومجالا لنشاطاتهم التجارية في آن واحد منذ سنوات طويلة.
الطراز الصيني القديم
يذكر أن مسجد هوايشنغ هو المسجد الرئيسي في كوانزو وهو ومبني على الطراز الصيني القديم مما يعطيه مظهرا جماليا رائعا، ويقع من حوله بعض المحلات التي تبيع الطعام الإسلامي من مطاعم ومحلات بقالة، ويشتري جميع العرب بالمدينة اللحوم الحلال من هذه المحلات.
تتجلى قيمة مسجد هوايشونغ في عراقة تاريخه وضخامة بنائه المتميز بأسلوب العمارة العربي: منارة أسطوانية الشكل، ترتفع36 مترا عن أديم الأرض .. وتبدو كأنها شعلة تناطح السحاب، لأنها تتكون من جزأين .. الجزء الأعلى يمثل فتيل الشعلة، ونظيره الأسفل يمثل بدنها. أما جدرانها المبنية من الطوب فتتكون من طبقتي داخلية وخارجية، حشر بينهما التراب لتقوية الجدران.
وفي جوف المنارة سلمان لولبيان، لا يتشابك أحدهما مع الآخر،. وهناك نافذة صغيرة على جدران المنارة بعد كل عدة درجات محددة، تصلح لتسرب الضوء إلى الداخل. ولو صعدت إلى قمة المنارة، للفت نظرك معالم مدينة قوانتشو كلها.
ومنارة المسجد مبنية على الطراز الإسلامي وعلى الرغم من مرور سنوات طويلة على إقامتها، إلا أنها ما زالت تنتصب على ضفة نهر اللؤلؤ كما كانت عليه منذ فترة بعيدة.
يؤكد الكثير من المؤرخين أنه أقدم مسجد في الصين، وقيل إنه بني في عهد أسرة تانغ (618-907م) وهو يحمل اسم مسجد "المنارة" أيضا وتم بناؤه علي أيدي الجاليات العربية الإسلامية القادمة إلى الصين قديماً في سنة 627م.
كتابات عربية!
وتؤكد الكتابات العربية المنقوشة على اللوح الرخامي بالمسجد، أنه تم بنائه على أيدي سيدنا وقاص عندما جاء إلى الصين، ولكن وقاص هذا الذي يتردد اسمه على ألسنة المسلمين الصينيين ليس الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص، حيث إن المصادر العربية لم تذكر قط أنه الصحابي زار الصين.
ويذكر الصينيون أن بناء هذا المسجد تم عندما كانت التبادلات الاقتصادية والثقافية بين الصين وبلاد العرب في أوج ازدهارها في عهد أسرة تانغ (618-907) حيث توارد عدد كبير من التجار العرب إلى مدينة كوانزو إحدى المدن الساحلية في الصين، وأبرز موانئها مرورا بالخليج العربي وخليج البنغال ومضيق ملقا وبحر الصين الجنوبي.
وكان من ضمنهم جماعة استوطنوا هذه المدينة فبنوا فيها مساجد لأداء الصلاة ومعالجة شؤونهم المتعلقة بالدين والعبادات، وكان من بينها مسجد هوايشينغ والذي يعرف أيضا بمسجد المنارة نظرا لفخامته.
كان الصينيون في أواخر عهد أسرة تانغ (618-907م) وأوائل أسرة سونغ (960-1279م) يسمون المسجد "لي تانغ" (قاعة الاجتماع)، ثم أطلقوا عليه اسم "لي باي تانغ" (قاعة الصلاة) أو "سي تانغ" (المتعبد).
تاريخ قديم
وفي أواسط القرن الثالث عشر أخذ المسلمون الصينيون في تسمية المسجد "تشينغ تشن سي" (متعبد الصفاء والحق). وقد صارت هذه التسمية شائعة الاستعمال بعد مضي قرنين من ظهورها .. ويشار بكلمة "تشن" (الحق) إلى أن "الله أحد، الله صمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد".
وفيما يختص بتسمية المسجد يشير كتاب "فصول تانغ الستة" الشهير في الصين إلى أنه "بني على يد الجنرال هواي شنغ، فأطلق عليه اسمه"، في الوقت الذي تؤكد فيه الكتابات العربية الموجودة على نصب تجديد المسجد أنه: "سمي هوايشنغ وهي تحمل معنى الحنين إلى النبي تعبيرا عن الحنين إلى النبي r وهو الأمر الذي ترجحه الغالبية العظمى من المؤرخين، وتعد المقولة الثانية مما يتفق عليه المؤرخون عموما. ذلك أنّ المسلمين العرب الذين استوطنوا مدينة قوانغتشو في فجر الإسلام إما أن يكونا قد نشئوا في عهد ليس بعيدا عن عهد النبي (r)، وإما أن يكونوا قد سبق لهم أن اهتدوا إلى الإسلام على يده مباشرة. فبعد أن هاجروا إلى الصين، لم يستطيعوا كبح جماح حنينهم إلى النبي (r). وهذا ما حداهم إلى تسمية المسجد الذي بنوه "هوايشنغ" تعبيرا عن مشاعرهم العميقة لرسول الله r.
مسيرة الإسلام
يشار إلى أن الصين تعتبر من أوائل البلدان التي دخل إليها الإسلام. وبعد أن مضى على انتشاره فيها أكثر من1300 سنة، أصبح عقيدة مشتركة لدى عشر أقليات قومية هي: هوي والويغور والقازاق والقرغيز والتتار والأزبيك والطاجيك ودونغشيانغ وسالار وباوآن. ومعظمهم يتوزعون في نينغشيا وشينجيانغ وكوانزو وتشينغهاي بكثافة، بينما البقية الباقية منهم ينتشرون في مدن وقرى سائر المقاطعات والبلديات والمناطق الذاتية الحكم بما فيها مقاطعة تايوان وهونغ كونغ وماكاو.
وخلال أكثر من ألف سنة بنى المسلمون الصينيون من مختلف القوميات كثيرا من المساجد الكبيرة والصغيرة. وتشير الإحصائيات إلى أن عدد المساجد في الصين يبلغ الآن أكثر من30 ألف مسجد، علما بأن بعضها ذو تاريخ عريق، وبعضها رائع الهندسة.

عدد الرسائل : 1 تاريخ التسجيل : 02/06/2008

جزاك الله خيرا